حين تغيب الدولة… ويُستبدل الوطن بالنظام
قراءة هادئة في جذور التعثر السوداني
التخلف في السودان.. دولة لم تكتمل وأنظمة تعاقبت
متابعات – السودان الآن – يُرجع كثير من المفكرين والباحثين مظاهر التعثر والتراجع في السودان إلى إشكالية بنيوية رافقت تاريخه السياسي، تتمثل في العجز عن بناء دولة بالمعنى المؤسسي الحديث، مقابل الاكتفاء بإقامة أنظمة حكم ارتبطت بالقبيلة والطائفة والمصالح الضيقة، وهو ما حال دون ترسيخ مفهوم الدولة الجامعة والمؤسسات المستقلة.

وخلال العقود الماضية، ظل النظام السياسي في جوهره متمحورًا حول الفرد، بينما تحولت المؤسسة إلى امتداد قبلي أو طائفي، لا بوصفها أداة لحماية المجتمع أو خدمة الصالح العام، بل كوسيلة لحماية السلطة ذاتها وضمان استمرارها. ونتيجة لذلك، غاب التعدد الحقيقي، وحلّ الاستتباع محل المشاركة، والإخضاع محل المواطنة.
وفي هذا السياق، لم تُتح مساحة كافية للحريات الفردية، إذ طغت التبعية على الاستقلال، وتقدمت الهوية القبلية والطائفية على مفهوم المواطن، فأصبح الفرد يُعرَّف أولًا بانتمائه لا بحقوقه، وبولائه لا بواجبه تجاه الدولة.
ومع هذا الواقع، تراجع معنى الوطن ليقترب من كونه مساحة نفوذ أو إدارة مصالح، بدل أن يكون كيانًا جامعًا يقوم على القانون والمؤسسات. وبغياب الدولة، غاب التقدم الحقيقي، ودخلت البلاد في دائرة تكرار الأزمات، حيث تتغير الوجوه وتبقى البنية على حالها.
وتبقى هذه القراءة واحدة من محاولات فهم جذور الأزمة، بعيدًا عن الشخصنة، وبهدف الإسهام في نقاش أعمق حول سؤال الدولة، والمواطنة، ومستقبل السودان













