متابعات – السودان الان – أثرت الحرب في السودان بشكل كبير على أوضاع السودانيين سواء داخل بلادهم أو في دول الجوار، وبالتحديد في مصر التي استقبلت أعدادًا ضخمة من اللاجئين السودانيين. برزت التحويلات المالية من المغتربين السودانيين إلى مصر كعامل اقتصادي مهم، حيث ساهمت في دعم الاقتصاد المصري، ولكن في الوقت نفسه، تكشف هذه التحويلات عن الخسائر الاقتصادية التي تكبدها السودان بسبب الحرب.
تحويلات السودانيين: مصدر حيوي للعملة الصعبة في مصر
في ظل الحرب الدائرة في السودان، لجأ ملايين السودانيين إلى مصر التي أصبحت الوجهة الرئيسية لهم. يعتمد هؤلاء اللاجئون بشكل كبير على الدعم المالي من أقاربهم المغتربين، مما جعل التحويلات السودانية تلعب دورًا مهمًا في الاقتصاد المصري. إذا افترضنا أن هناك مليون أسرة سودانية في مصر يتلقون تحويلات بقيمة 1000 دولار شهريًا، فإن إجمالي التحويلات سيصل إلى مليار دولار شهريًا، أي ما يعادل 12 مليار دولار سنويًا. حتى بتقليل الرقم إلى 8 مليارات دولار سنويًا، يبقى الرقم كبيرًا جدًا ويفوق إيرادات قناة السويس لعام 2023 التي بلغت 7.2 مليار دولار.
دور التحويلات في تعزيز الاقتصاد المصري
تُظهر الأرقام أهمية هذه التحويلات بالنسبة للاقتصاد المصري، خاصة مع إعلان البنك المركزي المصري عن زيادة تحويلات المصريين العاملين في الخارج بنسبة 61.4% خلال الربع الثاني من عام 2024. ساهمت التحويلات السودانية بشكل كبير في هذه الزيادة، حيث تعد واحدة من أبرز مصادر العملة الصعبة، مما يعزز السيولة النقدية في الأسواق المصرية.
التحويلات تساهم في دعم الاقتصاد المصري بعدة طرق:
- تحسين مستوى معيشة الأسر: ساعدت التحويلات السودانية في تحسين ظروف معيشة الأسر، سواء كانت سودانية أو مصرية تتعامل مع اللاجئين السودانيين.
- تنشيط الاقتصاد المحلي: الأموال المحولة تُستخدم لشراء السلع والخدمات، مما يعزز النشاط الاقتصادي في الأسواق المحلية.
- خلق فرص عمل جديدة: مع زيادة الطلب على المنتجات والخدمات، ظهرت فرص عمل جديدة للمصريين.
- مواجهة التضخم: ساعدت التحويلات في تخفيف تأثير التضخم على الأسر، خاصة مع ارتفاع الأسعار.
- استقرار اجتماعي: ساهمت التحويلات في تقليل مستوى الفقر، مما عزز الاستقرار الاجتماعي.
التحويلات: طوق نجاة في أزمة مصر الاقتصادية
في ظل الأزمات الاقتصادية التي تواجهها مصر، بما في ذلك التضخم وارتفاع أسعار السلع، كانت التحويلات السودانية بمثابة عامل دعم هام. مع ضعف احتياطيات مصر من العملة الأجنبية وتراجع الإيرادات من السياحة وقناة السويس، ساعدت التحويلات السودانية في تعزيز السيولة النقدية وتحقيق نوع من الاستقرار في الاقتصاد المصري.
شراء السودانيين للعقارات في مصر
إلى جانب التحويلات، ظهرت ظاهرة شراء السودانيين للعقارات في مصر، خاصة في مناطق مثل القاهرة والإسكندرية. تُقدر الاستثمارات العقارية للسودانيين في مصر بمبالغ تتراوح بين 2 إلى 3 مليارات دولار سنويًا، وهو ما يعزز القطاع العقاري المصري.
منفعة اقتصادية مقابل ضغط على المواطن المصري
رغم الفوائد الكبيرة التي توفرها التحويلات السودانية، إلا أن هذه الأموال لا تخلو من آثار جانبية، خاصة على المواطن المصري الذي يعاني من ارتفاع أسعار الإيجارات. مع زيادة الطلب على العقارات بسبب تدفق التحويلات، ارتفعت أسعار الإيجارات، مما وضع عبئًا إضافيًا على المواطنين المصريين، خاصة الطبقات المتوسطة والمنخفضة الدخل.
الأزمة السودانية: “رب ضارة نافعة”
كما يقول المثل “رب ضارة نافعة”، فقد جلبت الأزمة السودانية فوائد غير متوقعة للاقتصاد المصري في وقت الأزمات. في الوقت الذي يعاني فيه السودانيون من التشرد نتيجة الحرب، فإن التحويلات السودانية ساعدت في تعزيز الاقتصاد المصري، وهو أمر يُنظر إليه بشكل إيجابي، ولكن من المهم أيضًا التأكيد على أن الفائدة الاقتصادية لا يجب أن تهمش الأبعاد الإنسانية للأزمة.
الأصوات الساخطة: قضية الغرامات على اللاجئين السودانيين
في ظل الأزمة الحالية، ظهرت أصوات مطالبة بفرض غرامات مالية على اللاجئين السودانيين، تصل إلى 2000 دولار سنويًا عن كل لاجئ. هذه الفكرة، رغم أنها قد تدر أموالًا على الخزانة المصرية، فإنها تتجاهل البعد الإنساني للأزمة، إذ ينبغي التعامل مع قضية اللاجئين من منظور إنساني بعيدًا عن المصالح الاقتصادية.
التحديات السودانية: تحويلات المغتربين لم تُستثمر بشكل جيد
بينما استفادت مصر من تحويلات السودانيين في دعم احتياطياتها من العملة الصعبة، فإن السودان فشل في الاستفادة من هذه التحويلات بسبب السياسات المصرفية غير الفعالة، مما دفع بالكثير من التحويلات إلى السوق السوداء بدلاً من النظام المصرفي الرسمي.
كلمة شكر للشعب المصري
في الختام، لا يمكننا إلا أن نتقدم بالشكر للشعب المصري الذي استقبل السودانيين وأظهر كرمًا أخويًا في هذه الظروف العصيبة. مصر كانت وستظل دومًا في قلب السودان، ونحن نتمنى لها دوام الرفاهية والتقدم.