متابعات – السودان الان – طالبت تنسيقية “تقدم” بإنشاء مناطق آمنة خالية من السلاح لحماية المدنيين في السودان ووقف الأعمال القتالية، في وقت تتواصل فيه الانتهاكات في ظل استمرار الحرب. ومع أن هذا الاقتراح يحظى بدعم بعض الأطراف، إلا أنه يواجه معارضة شديدة، مع تحذيرات من المخاطر المرتبطة بتدويل النزاع.
في ظل استمرار الأوضاع الإنسانية المتدهورة في السودان، بات الحديث عن إنشاء مناطق آمنة للمدنيين أمرًا ملحًا لا مفر منه. فقد قدّمت تنسيقية “تقدم” هذا الاقتراح بهدف توفير حماية للمدنيين، بالإضافة إلى دعوة عاجلة لوقف الطيران ووقف الأعمال العدائية. ورغم دعم بعض الأطراف لهذه الفكرة، إلا أن هناك قلقًا من تجارب سابقة فشلت في ضمان أمان المدنيين.
وفي هذا السياق، أكدت ريان رامري، المتحدثة السابقة باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أن “المناطق الآمنة نادرًا ما تكون آمنة”، في إشارة إلى المخاطر التي قد تنجم عن هذا النوع من الحلول.
وفي حديثه في معهد شاتام هاوس بلندن، أعلن رئيس الهيئة القيادية لتنسيقية “تقدم”، عبد الله حمدوك، عن أهمية فرض حظر جوي وإنشاء مناطق آمنة في السودان، مشيرًا إلى ضرورة نشر قوات لحماية المدنيين. وأضاف حمدوك أن النزاع في السودان يجب أن يُحل عبر عملية سلام شاملة تتضمن مسارات متعددة تشمل وقف إطلاق النار، إلى جانب مفاوضات للانتقال السلمي للسلطة إلى المدنيين.
من جانبه، صرح الأمين العام لتنسيقية “تقدم”، الصديق الصادق المهدي، أن النزاع الحالي في السودان قد تحول إلى حرب أهلية شاملة، مطالبًا بإنشاء مناطق آمنة لحماية المدنيين. وأكد المهدي على ضرورة وقف الأعمال العدائية واستخدام الطيران لتحقيق هذا الهدف.
وفي نفس السياق، قال يوسف، نائب رئيس حزب المؤتمر السوداني، إن الدعوات لإنهاء الحرب بسرعة تتعارض مع الواقع، مؤكدًا أن الحرب لن تنتهي قريبًا. وأضاف أن الحلول السريعة لتسوية النزاع تتجاهل التاريخ السوداني في معالجة الحروب.
على الصعيد الدولي، أفادت مصادر صحفية أن بريطانيا تخطط لتقديم مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي بشأن السودان، يستند إلى توصيات الأمين العام للأمم المتحدة. يتضمن هذا المشروع آليات لضمان التزام الأطراف المتصارعة بحماية المدنيين وفقًا لاتفاق جدة، وقد ناقش مجلس العموم البريطاني هذه الإجراءات في إطار رئاسة بريطانيا لمجلس الأمن في نوفمبر.
في المقابل، رفض عضو مجلس السيادة السوداني، إبراهيم جابر، مناقشة نشر قوات دولية لحماية المدنيين. وأوضح أن السكان في المناطق التي تسيطر عليها مليشيا الدعم السريع لا يحتاجون إلى حماية من الجيش السوداني، بل يسعون إلى اللجوء إلى القوات المسلحة لحمايتهم من الاعتداءات. وأكد أن نشر قوات أممية في ظل وجود مليشيا الدعم السريع قد يعزز من وجودها بدلاً من حماية المدنيين.
من ناحية أخرى، أكد الناطق الرسمي باسم حزب المؤتمر السوداني، نور الدين بابكر، أن حماية المدنيين باتت أولوية منذ بداية النزاع، مشيرًا إلى أن إنشاء مناطق آمنة خالية من السلاح أمر ضروري مع احتمالية استمرار الحرب لفترة طويلة. وأضاف أن الأمم المتحدة قد تبدأ في إنشاء هذه المناطق في دول مثل رواندا وسيراليون، مما ساعد في تقليل الانتهاكات وحماية المدنيين.
وفي تعليقه على الانتقادات الموجهة للفكرة، وصف الكاتب والباحث إبراهيم فتح الله المنتقدين بأنها تستند إلى مواقف سياسية ذات طابع كيزاني، معتبرًا أن الاقتراح جاء نتيجة تعنت الأطراف المتحاربة في إنهاء النزاع. وأضاف أن بعض الأوساط تروج لفكرة استمرار الحرب كـ”خيار واقعي”، وهو ما يعرض المدنيين للمزيد من القتل والتهجير.
من جهته، حذر الأكاديمي راشد عثمان من أن إنشاء مناطق آمنة في السودان قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، مشيرًا إلى أن تدويل القضية قد يسمح بتدخلات خارجية مماثلة لتلك التي شهدتها ليبيا والبوسنة في التسعينات. وأكد أن مناطق آمنة في السودان، مثل الجزيرة وسنجة والنيل الأبيض، لم تحمِ المدنيين من هجمات مليشيا الدعم السريع، التي تعتمد على أسلوب النهب والتخريب.
وفي ختام حديثه، استشهد عثمان بكلمات ريان رامري، التي قالت: “المناطق الآمنة نادرًا ما تكون آمنة”، مشددًا على أن الحلول يجب أن تأتي من الضغط الخارجي لتنفيذ مخرجات اتفاق جدة.