لوبيات الذهب تشعل صراع النفوذ داخل بنك السودان المركزي
إقالات متلاحقة تكشف أزمة استقلال القرار النقدي وتداخل السياسة بالاقتصاد
متابعات – السودان الآن – تصاعدت حدة الخلافات داخل بنك السودان المركزي خلال الأسابيع الماضية، في ظل صراع متزايد بين دوائر النفوذ السياسي ولوبيات الذهب، ما أدى إلى اضطرابات تنظيمية وإقالات متتابعة في قيادة البنك، وأثار تساؤلات واسعة حول مدى استقلاليته وقدرته على إدارة السياسة النقدية بعيدًا عن التأثيرات الخارجية.
دخل البنك المركزي في مواجهة مباشرة مع شركات تصدير الذهب وعدد من القيادات النافذة، عقب قرارات تنظيمية أصدرها تقضي بحصر شراء وتصدير الذهب عبر البنك المركزي أو من يفوضه فقط. القرار الذي استهدف ضبط الأسواق ومنع التهريب قوبل برفض واسع من الأطراف المستفيدة من النظام القديم، وانتهى بإقالة المحافظ برعي الصديق علي أحمد بقرار من رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، وتعيين آمنة ميرغني حسن التوم خلفًا له — لتصبح أول سيدة تتولى المنصب — قبل أن يصدر قرار ثانٍ بإقالة نائب المحافظ محمد عثمان أحمد محمد خير بعد أقل من أسبوعين.
ويرى مراقبون أن هذه الإقالات تعكس صراعًا محتدمًا بين أجهزة الدولة ومصالح اقتصادية نافذة، خاصة في ظل الحرب الجارية وتراجع موارد النقد الأجنبي التي يعتمد عليها الاقتصاد السوداني.
الخبير المصرفي عمر سيد أحمد أوضح أن تكرار التغييرات في قيادة البنك المركزي يعكس غياب الاستقلال المؤسسي، وتحول البنك إلى أداة مالية مرتبطة بتوازنات السياسة والسلطة، ما أفقده المصداقية والاستقرار. وأشار إلى أن ملف الذهب بات محور الصراع الاقتصادي في البلاد، كونه يغطي أكثر من 60% من حصائل الصادرات، ويُعد المورد الرئيسي للنقد الأجنبي في ظل غياب النفط والإنتاج الزراعي المنظم.
وأكد سيد أحمد أن قرار قصر تصدير الذهب عبر البنك المركزي واجه مقاومة شرسة من الأطراف المستفيدة من الفروقات السعرية وعمليات التهريب، ما حول القرار من إجراء اقتصادي إلى معركة نفوذ، انتهت بإقالة المحافظ في أكتوبر الماضي، كإشارة إلى حجم المصالح المتشابكة داخل القطاع.
وأشار إلى أن غياب الشفافية في إدارة ملف الذهب يمثل أبرز أوجه الأزمة، إذ لا توجد منصة موحدة لتوثيق بيانات الإنتاج والتصدير، وتعمل كل جهة وفق أرقامها الخاصة، مما يفتح الباب أمام تضارب المصالح واحتكار المعلومات من قبل مجموعات نافذة تتحكم في الأسعار والسياسات.
وحذّر الخبير من أن الإقالات المتكررة أضعفت الثقة في النظام المصرفي داخليًا وخارجيًا، حيث بات السودان ضمن الدول عالية المخاطر في التصنيف المصرفي، ما يرفع كلفة التحويلات ويعرقل التعامل مع البنوك المراسلة. كما أن غياب الاستقرار الإداري يجعل السياسات قصيرة الأجل وغير قادرة على تحقيق نتائج مستدامة.
واقترح سيد أحمد جملة من الإصلاحات العاجلة، أبرزها إنشاء بورصة وطنية للذهب تخضع لرقابة مستقلة، وتعديل قانون بنك السودان المركزي بما يضمن ولاية المحافظ لفترة محددة غير قابلة للعزل السياسي، وتشكيل مجلس للسياسة النقدية يضم خبراء مستقلين، إلى جانب نشر تقارير شهرية شفافة عن حصائل الصادرات والتضخم وسعر الصرف.
وختم بالقول إن الأزمة الحالية لا تتعلق بشخص المحافظ بقدر ما تعكس خللًا هيكليًا في منظومة اتخاذ القرار النقدي، مؤكدًا أن استعادة الثقة تبدأ بإبعاد البنك المركزي عن الصراعات التجارية والسياسية، ليعود إلى دوره الطبيعي كحارسٍ للاستقرار المالي والنقدي في السودان.







