اقتصاد

 مسارات الصعود والانكسار.. قصة الخطوط الجوية السودانية بين المجد والانهيار

متابعات -السودان الآن

تابعنا على الواتساب لمزيد من الاخبار

                           

مسارات الصعود والانكسار.. قصة الخطوط الجوية السودانية بين المجد والانهيار

متابعات – السودان الآن -في مشهد يعكس تقلبات التاريخ الاقتصادي والسياسي في السودان، تبرز الخطوط الجوية السودانية – سودانير – كواحدة من أكثر التجارب الوطنية دراميةً بين الصعود المذهل والانكسار المؤلم. فمنذ انطلاقتها في خمسينيات القرن الماضي تحت مسمى «سفريات الشمس المشرقة» وحتى تراجعها في العقود الأخيرة، شكّلت الشركة مرآةً دقيقة لواقع الدولة السودانية بكل ما فيه من آمال وعثرات.

منارة في سماء إفريقيا

في بداياتها، وُلدت سودانير في مناخ اقتصادي واعد، وبدعم من شراكة استراتيجية مع شركة إيرويرك البريطانية، جعلت منها واحدة من أوائل شركات الطيران في القارة. امتلكت الشركة أسطولًا حديثًا من طائرات فيسكاونت، كوميت، دي سي 3 ودي سي 4، ولاحقًا طائرات فوكر وبوينج، ما منحها حضورًا لامعًا في الأجواء الإقليمية والدولية.

ساهمت عائدات القطن واستقرار الاقتصاد الوطني آنذاك في تمكينها من التوسع والربط بين الخرطوم وعواصم أوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط.

عقود التراجع.. من الاقتصاد إلى السياسة

مع مرور الزمن، بدأت مؤشرات التراجع تظهر بوضوح. فالأزمات الاقتصادية المتلاحقة منذ الثمانينيات، وتدهور قيمة الجنيه السوداني، وارتفاع معدلات التضخم، أرهقت كاهل الشركة. ومع حلول التسعينيات، جاءت المقاطعة الاقتصادية الغربية لتقضي على ما تبقّى من قدرة تشغيلية ومصرفية، ففقدت الشركة طائراتها الحديثة وعجزت عن شراء قطع الغيار أو سداد التزاماتها الدولية.

السياسة تُسقط الأجنحة

لم يكن التدهور الاقتصادي وحده المسؤول عن الانهيار؛ فقد لعبت التدخلات السياسية الدور الأبرز في تعميق الأزمة. تحولت سودانير إلى ساحة لتجاذبات السلطة، وتراجعت المهنية الإدارية، وتُركت الكفاءات الفنية لتهاجر إلى الخارج. حتى حقوق العاملين – بما فيها الحقوق الجليلة (Royalties) – تم تجاهلها، مما أضعف روح الانتماء وأفقد الشركة عمودها البشري.

الشراكة الفاشلة.. نقطة الانكسار

حين أُعلن عن الشراكة مع مجموعة عارف الكويتية في منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة، ظنّ كثيرون أن الفجر الجديد قد اقترب. لكن سرعان ما تبيّن أن الصفقة كانت قرارًا سياسيًا أكثر منه اقتصاديًا. افتقرت عارف للخبرة في الطيران، ولم تقدّم سوى وعودٍ لم تتحقق. ومع مرور الوقت، تم تفكيك الأصول وبيع المعدات، لتصل سودانير إلى ما يسميه الخبراء “نقطة الانكسار الكبرى”.

الدروس والعبر

قصة سودانير ليست مجرد حكاية عن شركة طيران، بل مرآة كاملة لمسار الدولة السودانية في إدارتها لمواردها ومؤسساتها العامة. إن إحياء الناقل الوطني لا يمكن أن يتحقق إلا عبر إصلاحات عميقة تشمل:

1. استقرار الاقتصاد الكلي وضبط التضخم وسعر الصرف.

2. فصل القرار السياسي عن الإدارة الفنية.

3. إعادة الثقة في النظام المصرفي.

4. تأسيس شراكات استراتيجية حقيقية مع شركات عالمية تمتلك الخبرة والتقنية.

خاتمة

ستبقى الخطوط الجوية السودانية رمزًا لمرحلة ازدهار عاشها السودان، وعبرة لمستقبل يحتاج إلى إدارة رشيدة تقود مؤسساته نحو الإصلاح لا الانكسار.

ولعل في إعادة بناء سودانير الجديدة، رسالة أمل بأن السودان قادر – رغم العثرات – أن يحلّق من جديد في سماء النهضة والإنتاج

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى