
لماذا يريد ترامب استعادة قاعدة تخلّى عنها قبل 4 سنوات؟»
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال مؤتمر صحفي أن واشنطن «تعمل على استعادة» قاعدة باغرام الجوية الأفغانية التي تخلّت عنها القوات الأمريكية عام 2021، واعتبر موقعها مهمًا استراتيجيًا بالقرب من منشآت حسّاسة في الصين. الإعلان أثار رفضًا مباشرًا من طالبان وتحفّظات دولية واسعة، وأعاد إلى الواجهة سؤالاً بالغ الحساسية: هل تعني العبارة عودة قوات أمريكية فعلية أم محاولة نفوذ سياسي/دبلوماسي؟ أي خطوة فعلية لاستعادة القاعدة قد تتحوّل بسرعة إلى مواجهة واسعة ومخاطرة جيوسياسية كبيرة
1) ما قاله ترامب بالضبط ولماذا يهمّ
تصريحات ترامب كانت صريحة: «نريد استرجاع تلك القاعدة» وركّز على أهميتها الاستراتيجية وقربها من مواقع يعتبرها حسّاسة على امتداد آسيا الوسطى. جاء التصريح أثناء مؤتمر صحفي في لندن، ورافقته تلميحات بأن الإدارة الأمريكية تبحث عن سبل إعادة نفوذها الجيو-استراتيجي في المحور الأفغاني
2) ردود الفعل الفورية
طالبان رفضت بشكل قاطع أي تواجد عسكري أمريكي على أراضيها، وأكدت أن سيادتها تمنع تسليم أو قبول قواعد عسكرية خارجية
الصين أعربت عن قلقها ودعت لاحترام سيادة أفغانستان وتجنّب أي خطوات من شأنها زعزعة الاستقرار الإقليمي، ما يعني أن أي محاولة لاستعادة باغرام قد تلقى رفضًا غير مقتصر على الجانب الأفغاني
3) واقع باغرام وتاريخه العسكري (لماذا القاعدة مهمة)
باغرام كانت العمود الفقري للعمليات الأمريكية في أفغانستان منذ تسعينات القرن الماضي (قاعدة قصفتها وتولت تشغيلها قوى متعدّدة عبر عقود)، واحتوت مدرجًا طويلاً ومرافق لوجستية تكفي لاستضافة طائرات كبيرة ومهمات جوية بعيدة المدى. انسحاب 2021 أجلى القاعدة عمليًا قبل سيطرة طالبان على أجزاء واسعة من البلاد
4) هل استعادة القاعدة ممكنة عمليًا؟ (التقييم العسكري واللوجستي)
تقييمات داخلية لأمنيين ومسؤولين أمريكيين سابقة وحالية تشير إلى أن أي عملية عسكرية لاستعادة باغرام لن تكون عملية بسيطة — قد تتطلّب نشرًا عسكريًا ضخمًا (تقديرات تتحدث عن أرقام قد تتجاوز 10,000 جندي) ونشر دفاعات جوية متطوّرة وتأمين خطوط إمداد واسعة. وصف بعض الخبراء أي محاولة من هذا النوع بأنها قد تُماثل غزوًا عمليًا جديدًا لأفغانستان
5) السيناريوهات المحتملة (ثلاثة سيناريوهات رئيسية)
1. سيناريو دبلوماسي – أقل تكلفة
واشنطن تسعى لقاعدة تفاوضية: تبادل دبلوماسي مع طالبان مقابل تقديم مساعدات اقتصادية أو إطلاق سراح محتجزين/تجميد عقوبات. هذا هو السيناريو الأكثر واقعية إذا اتّبع البيت الأبيض نهجًا تدريجيًا. (هناك دلائل على محادثات محدودة بين مسؤولين أمريكيين وطالبان مؤخراً بخصوص محتجزين)
2. سيناريو عسكري محدود – مخاطرة مرتفعة

إنزال وحدات أمريكية محدودة لتأمين أجزاء من القاعدة أو نقاط لوجستية؛ سيعني مواجهة مع طالبان ومحتمَل استنزاف طويل، وتوسّع في العنف يهدد المدنيين واستقرار الجوار
3. سيناريو واسع النطاق – تصعيد كامل
عملية تستلزم عشرات الآلاف من القوات وتخوض قتالاً أرضيًا وسياسيًا ضد سلطات طالبان؛ هذا السيناريو قد يعيد أفغانستان إلى حالة حرب مفتوحة ويجرّ دولًا إقليمية إلى دوامة مواجهة جيوسياسية مع تبعات عالمية
6) تداعيات إقليمية ودولية (مخاطر كبرى)
على علاقة الولايات المتحدة–الصين: ادعاءات ترامب حول قرب باغرام من منشآت مرتبطة بالصين قد تؤجّج التوترات؛ أي تحرّك أمريكي سيُقرأ في بكين كخطوة استراتيجية مباشرة
باكستان وإيران: أي تصعيد قد يضغط على الجيران لتأمين جوانبهم أو التدخّل سياسياً، ما يزيد تعقيد المشهد
أمن المدنيين وعودة العنف: سيناريوهات التدخّل العسكري مرتبطة بزيادة الهجرة واللجوء ونزوح داخلي كبير، وتراجع المساعدات الإنسانية
مكسب أو عبء سياسي داخلي للولايات المتحدة: الإعلان قد يخدم رسائل داخلية انتخابية لكن تكاليفه الخارجية قد تكون فادحة
7) الجدوى السياسية والقانونية
استعادة قاعدة على أراضي دولة ذات سيادة تتطلب اتفاقًا واضحًا أو تفويضًا دوليًا، وإلا تصبح العملية انتهاكًا للقانون الدولي يستدعي ردود فعل دبلوماسية قوية وعقوبات سياسية. محاولة فرض تواجد بالقوّة ستكون قانونيًا وسياسيًا معقدة للغاية
8) توصيات السياسة والخيارات الواقعية (لمصنّعي القرار)
1. تحييد التصريحات الخطابية عن الخيارات العملية: استبدال الخطاب الاستعراضي بخطاب دبلوماسي منهجي لتجنّب إثارة تصعيد لا يمكن التحكم به
2. فتح قناة تفاوضية متعددة الأطراف: إدارة ملف باغرام عبر وساطة إقليمية (باكستان، قطر، تركيا، دول الخليج) لتأمين صيغة تعاون إنساني أو لوجستي دون وجود عسكري دائم
3. تركيز على الحلول غير العسكرية: إغراء طالبان بحزم تطوير وبنى تحتية ومدفوعات اقتصادية مقابل ضمانات أمنية، بدل التفكير في خيار عسكري مكلف
4. تقييم مخاطر الانتشار الإقليمي: إشراك الحلفاء الأوروبيين والغربية لمعالجة التبعات وتفادي تحميل طرف واحد تبعات استراتيجية مدمّرة
9) خاتمة — لماذا هذا الخبر مقلق فعلاً؟
قولٌ واحد من زعيم قوة عظمى عن «استعادة قاعدة» يمكن أن يتحوّل سريعًا من كلامٍ انتخابي إلى عملية جيوسياسية تحمل تبعات عسكرية وإقليمية وقانونية وإنسانية جسيمة. أي محاولة فعلية لاستعادة باغرام ستواجه رفضًا من طالبان، احتمال تدهورٍ أمني واسع، واحتكاكًا مع قوى إقليمية مثل الصين وباكستان، الأمر الذي قد يجرّ المنطقة إلى حالة عدم استقرار طويلة. الواقع الآن: التصريح فتح بابًا خطيرًا — الإغلاق عنه يتطلب حكمة دبلوماسية وسرعة في وضع آليات متعددة الأطراف لتجنيب المنطقة فوضى جديدة