فك اللجام يا ريس
د. صبري فخري محمد
مضى أكثر من خمسمائة يوم منذ بدء هذه الحرب اللعينة التي مزقت كل شيء .. نعم كل شيء .. مزقت البنية التحتية من مصانع و منازل و مستشفيات و غيرها .. و كذلك مزقت ذلك الستار الذي كان يخفي أشياء لم تخطر على بال أحد .. أن يغدر الجار بجاره.. أن تتمزق العلاقات و الوشائج الأسرية .. حرب قضى على الأخضر و اليابس … حرب أتى بعد آمال عراض تشكلت بداية ملامحها في ميدان الاعتصام… عندك خت ما عندك شيل .. ميدان قضى على فوارق الجنس و العرق و اللون .. أمشي يا مغرور .. كل البلد دارفور .. المسيحي يحرس المسلم حتى يقضي صلاته .. ميدان أثبت أن معاول الكيزان عجزت طيلة الثلاثون عاما أن تقتلع أو تنال من طيبة و نبل هذا الشعب .. ميدان الاعتصام أثبت أن تربة هذا الوطن عصية على الكيزان لزراعة شجرتهم الخبيثة… سوس التمر .. تلك الشجرة التي لا تثمر الا الخبيث من الموبقات … كان شباب ميدان الاعتصام نوع آخر من البشر .. صدق محجوب شريف و تحقق حلمه حين قال …ونبض الشعب كلو حلم
بداه بيتم
وتطلع من شقوق الارض
آلاف المدن قامات
ويطلع حتى من
قلب الحجر والصى
شجر متشابك الهامات
وجيلا” جاى حلو الشهد
صبايا وفتية يمرحوا
فى صباح الغد
عيونهم برقهن لماح
سؤالهم رد
خفاف ولطاف
وثابين أوان الجد
دفاعا عن حياض
السلم والافصاح
سلموا لى عليهم
جملة حتى اللسه
قبل الخلق والتكوين
صناع الحياة اليوماتى
ملح الارض
نبض الشعر
والموسيقى والتلوين
هدامين قلاع الخوف …
شباب جعلوا الوطن في حدقات عيونهم و أقسموا أن لا يسلكوا طريقا غير طريق السلمية و فتحوا للطغاة صدورهم .. رفضوا أن تتلوث أياديهم الطاهرة بدماء أبناء الوطن الواحد .. كان هتافهم .. سلمية .. سلمية ضد الحرامية … أجبروا حاشية الرئيس بأن يتخذوا قرار الانحياز للثورة .. أدركوا بأن العنف يعني دمار الوطن و فناؤه.. و لكن أبت تلك الفئة الباغية إلا تنبت شجرتها الخبيثة تلك حتى و لو كان ثمن تحقيق حلم العودة بأن تراق كل الدماء … هتاف يتوارى خجلا منه حتى نزلاء مستشفى التيجاني الماحي … هذا الشعب الذي جاء من صلبه هذا الجيل الطاهر عصي أن يحكم بالقوة … فك اللجام يا سعادة الرئيس عن هؤلاء الشباب .. عندها ستسمع هديرا يزلزل أركان المعمور بأن لا للحرب نعم للسلام .. لا لسفك دماء شباب الوطن الواحد .. لا لبث و نشر الكراهية و الفتنة … لا لعودة الكيزان و التنكر لدماء شهداء الثورة السلمية المجيدة … فك اللجام يا سعادة الرئيس و ستعلم بأن هتاف بل بس هو الهتاف النشاذ …هتاف يأتي من أشخاص يرفدون في النعيم .. هتاف حسن طرحة من تركيا و أبو رهف من كندا و المنقب الانصرافي من بلاد الواق واق .. و لكن الجمرة بتحرق الواطيها… و أن هتاف لا للحرب يأتي من رحم معاناة هذا الشعب .. إنها انات الثكالى و الأرامل و الأيتام .. و البطون التي تقرقر من الجوع .. و الأجساد التي أرهقها التعب من النزوح و التشرد .. فك اللجام يا سعادة الرئيس عندها سترى بأن تلك المرأة التي قالت لك لا للحرب إنما كانت تمثل قمة رأس جبل الجليد .. و كانت رسالة في بريدك علك تتنحى جانبا عن أولئك الذين يريدون لك و لشعبك الهلاك … نعم لا للحرب و لا لدمار الوطن و نعم للمحبة و السلام … حتى لا تلحق بنا الندامة و نقول بعد فوات الأوان …
أمرتكم أمري بمنعرج
اللِوى فلم تستبينوا النصحَ إلا ضُحى الغدِ …
د.صبري فخري محمد
استشاري جراحة و مناظير
0913768609