المنوعات والثقافة

 قصة من قلب الخراب: معركة البقاء في السودان 

متابعات -السودان الآن

تابعنا على الواتساب لمزيد من الاخبار

                           

قصة من قلب الخراب: معركة البقاء في السودان

 

في غرفة ضيقة داخل مركز إيواء مزدحم في مدينة ود مدني، تجلس أم خالد، امرأة خمسينية تحمل في يدها حقيبة صغيرة مليئة بعلب دواء فارغة. على وجهها يختلط التعب بالخوف، وفي عينيها قلق لا ينطفئ. هي ليست مجرد أم، بل صورة حية لما يعيشه ملايين السودانيين منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023.

ابنها خالد مصاب بالسكري منذ سبعة أعوام. كان يتلقى العلاج بانتظام في مستشفى بالخرطوم، لكن بعد اندلاع الحرب، توقفت الإمدادات الطبية وانهارت المستشفيات. حاولت في البداية شراء الأنسولين من السوق السوداء، لكن الأسعار فاقت قدرتها. لجأت إلى تقليل الجرعات: نصف ما يحتاجه خالد في اليوم، وأحياناً أقل

تروي أم خالد بصوت متهدج:

“قبل أيام دخل في غيبوبة قصيرة، ظننت أنني فقدته. لا أنام ليلاً من الخوف. كل صباح أستيقظ وأنا لا أعرف إن كان العلاج سيتوفر أم لا”

هذه ليست معاناتها وحدها. في المركز ذاته مئات الأسر، لكل منهم قصة مشابهة: أطفال مصابون بالربو، مرضى فشل كلوي يحتاجون لغسل أسبوعي، مصابون بأمراض القلب، جميعهم بلا دواء ولا رعاية

قضاء غائب.. وقوانين بديلة

في أحياء أخرى، الناس يتنازعون على الأراضي والميراث بلا محاكم. القضاء معطل، القضاة هاجروا، والمحاكم تحولت إلى مبانٍ مدمرة. اليوم تُحل القضايا بالسلاح أو العرف القبلي. العدالة لم تعد موجودة إلا في ذاكرة الناس

أطفال بلا مدارس

خالد ليس وحده الذي فقد دواءه، بل أيضاً مدرسته. ملايين الأطفال انقطعوا عن التعليم. بعض المتطوعين فتحوا فصولاً بدائية داخل المساجد، حيث يجلس الأطفال على الأرض يتعلمون القراءة والكتابة. لكن أم خالد ترى أن ذلك لا يكفي:

“ابني كان يحلم أن يصبح مهندساً. اليوم يقضي وقته في حمل الماء بدل الكتب. ماذا سأقول له عن مستقبله؟”

عطش وجوع وظلام

الماء في ود مدني سلعة نادرة. النساء والأطفال يقفون ساعات أمام الصهاريج، أحياناً يعودون بلا قطرة. الكهرباء تنقطع لأسابيع، والخبز صار رفاهية. أم خالد تلخص حياتها بكلمات قليلة:

“نقتات على وجبة واحدة في اليوم. صرنا نعيش فقط كي نصمد ليوم جديد”

تضامن يصنع الحياة

لكن وسط هذا الخراب، يظل هناك بصيص أمل. الجيران يتقاسمون الخبز، الشباب يحفرون آباراً صغيرة ويوزعون الماء، وآخرون يشترون مولدات كهرباء بالتبرعات. في أحد الأيام، طرق باب أم خالد شاب يحمل كيس دقيق:

“قال لي: هذا من أهل الحي. اليوم خالد لن ينام جائعاً”

الخاتمة: وطن على الحافة

قصة أم خالد ليست استثناء، بل عنوان لبلد بأكمله. السودان اليوم بلد بلا قضاء، بلا تعليم، بلا صحة، بلا ماء ولا كهرباء. لكنه أيضاً بلد فيه شعب يقاتل للبقاء، ويتقاسم المعاناة كما يتقاسم الخبز

وربما، كما تقول أم خالد، “إذا نجونا اليوم، فالأمل أن ينجو السودان غداً”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى