
المجتمعات الفاشلة.. حين يغيب العقل ويحكم الثرثارون
في كل مجتمع، يظل العقل الراجح أقلية نادرة، بينما الغالبية تنجذب إلى ما يثير العاطفة ويخدّر الوعي. وهنا تكمن معضلة المجتمعات الفاشلة: حيث يعلو صوت التفاهة على الحكمة، ويتحول التافهون إلى رموز، فيما يُقصى المفكرون وأصحاب الرأي
المشهد بات مألوفًا؛ أغنية بلا معنى تحقق ملايين المشاهدات، وصاحبها يصبح نجمًا تتسابق وسائل الإعلام إلى استضافته، بل أحيانًا يُستشار في قضايا المجتمع! في المقابل، يظل الباحث أو المفكر أو المصلح يعيش في الظل، بالكاد يجد من يقرأ ما يكتبه أو يسمع ما يقوله
ثقافة الاستهلاك وصناعة التفاهة
هذا الانجذاب إلى التسلية السطحية ليس عشوائيًا، بل هو صناعة متقنة تديرها مؤسسات إعلامية وتجارية، هدفها تحويل الإنسان إلى مستهلك بلا وعي. يتم تسويق الفن الهابط والكلمة الفارغة لأنها تدر الأرباح وتُبقي الجماهير منشغلة عن قضاياها الكبرى. وهكذا يُستبدل الحوار الجاد بنقاشات عقيمة حول أخبار المشاهير وأزياء الفنانين
العقول بين التهميش والتخوين
حين يحاول المفكر أو الكاتب أن يطرح قضايا المجتمع الحقيقية، فإنه غالبًا يواجه بالتجاهل أو التشويه أو التخوين. بينما يجد “المهرج” أو “المغني الفارغ” آلاف الأبواب مفتوحة أمامه، لأن دوره يتماشى مع استراتيجية تغييب الوعي
أزمة الديمقراطية في مجتمعات جاهلة
الديمقراطية في جوهرها أداة نبيلة، تمنح الشعوب الحق في تقرير مصيرها. لكنها تتحول إلى مأساة حين تمارسها مجتمعات تفتقر إلى الوعي والمعرفة، لأن الأغلبية الجاهلة ستفرض قرارها على الجميع. وهنا يصبح صندوق الاقتراع وسيلة لشرعنة الفساد أو تثبيت حكم التافهين
الطريق إلى الخلاص
الحل لا يكمن في رفض الديمقراطية، بل في بناء مجتمع واعٍ، يقدّر الكلمة الصادقة والفكر الرصين، ويضع المفكرين والعلماء في مواضعهم الطبيعية. الوعي، التعليم، والإعلام المسؤول هي الضمانات الحقيقية لنهضة أي أمة
فإذا أردنا أن نخرج من دائرة الفشل، علينا أن نتوقف عن صناعة الأصنام من التافهين، وأن نعيد الاعتبار للعقول التي يمكن أن تقود المجتمع إلى مستقبل أفضل