مقالات الرأي

 هل يتجه السودان إلى جمهورية التشكيلات المسلحة؟

متابعات -السودان الآن

تابعنا على الواتساب لمزيد من الاخبار

                           

هل يتجه السودان إلى جمهورية التشكيلات المسلحة؟

متابعات -السودان الآن – منذ فجر الاستقلال عام 1956، لم يهنأ السودان بفترة سلام حقيقية؛ فكلما خمدت معركة في منطقة، اشتعلت أخرى في بقعة جديدة. ومع تراكم الحروب الأهلية والنزاعات المحلية، وُلدت عشرات التشكيلات المسلحة التي تمددت في طول البلاد وعرضها، حتى قدّر مراقبون عددها بأكثر من 110 فصيل مسلح، لكل منها ولاءات ومصالح خاصة.

وخلال الحرب الحالية التي اندلعت في أبريل (نيسان) 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع، توزعت هذه التشكيلات بين موالاة أحد الطرفين أو استغلال الفوضى لتحقيق أهداف مناطقية أو قبلية أو اقتصادية، في مشهد ينذر بأن البلاد تتجه نحو «جمهورية السلاح».

خريطة معقدة ومتشعبة

وفقاً لكتاب «سلام السودان… مستنقع التشكيلات المسلحة والجيوش شبه النظامية» للكاتب أمير بابكر، كان في السودان أكثر من 90 فصيلاً مسلحاً عند اندلاع القتال، معظمها في دارفور، بينما تنتشر مجموعات أخرى في كردفان والنيل الأزرق وشرق البلاد. ويُرجح أن هذا التوسع الكبير في التسلح سيطيل أمد الحرب ويزيد من تعقيدها.

الناشط السياسي مهند الزعيم قدّر بدوره عدد التشكيلات بنحو 90، تنقسم حسب الجغرافيا والآيديولوجيا، في حين يسعى بعضها لتأسيس تكتلات جديدة بحثاً عن نفوذ أوسع.

أنواع الولاءات والانقسامات

تنقسم هذه التشكيلات إلى ثلاث فئات رئيسية:

قوات متحالفة مع الجيش، مثل حركات دارفور بقيادة مني أركو مناوي وجبريل إبراهيم، والتي تُعرف اليوم بـ«القوة المشتركة».

قوات تقاتل إلى جانب الدعم السـ.ريع، وبعضها انشق عن حركات مسلحة سابقة.

فصائل محايدة تزعم الابتعاد عن الصراع، لكنها تسيطر على مناطق محدودة تحت دعاوى مطلبية.

وفي ظل الانشقاقات القبلية وتباين الولاءات، تحوّلت بعض الفصائل إلى مجموعات محلية صغيرة تمارس نشاطاً مسلحاً في مناطق التعدين أو التجارة، مستفيدة من غياب الدولة وتفكك المؤسسات الأمنية.

التشكيلات المرتبطة بالنظام السابق

تشير تقارير إلى أن أكثر من 25 فصيلاً مرتبط بالحركة الإسلامية والنظام الذي حكم البلاد حتى 2019، مثل «كتائب البراء بن مالك» و«الفيلق الشبابي» و«لواء الفرقان»، إضافة إلى «قوات الدفاع الشعبي» التي عادت للظهور بعد حلها سابقاً.

تتمتع هذه المجموعات بتمويل وتسليح رسمي، لكنها تعاني عزلة شعبية لارتباطها بالنظام القديم.

صراعات الشرق والوسط والشمال

في شرق السودان ظهرت أكثر من عشر تشكيلات مسلحة ذات طابع قبلي، بعضها مدعوم من دول الجوار بحكم التداخل الإثني، في حين تشهد ولايات الوسط والجزيرة بروز جماعات جديدة مثل «درع السودان» و«قوات شعب الوسط»، بينما بدأت مجموعات في الشمال الحديث عن تدريب آلاف المقاتلين، في سابقة لم تعرفها تلك المناطق من قبل.

خطر الانفلات الشامل

يرى محللون أن تضخم هذه التشكيلات جعلها تتحكم في الواقع الميداني أكثر من الدولة نفسها. ويؤكد المحلل عثمان فضل الله أن «البلاد تعيش حالة من تفكك السلطة الشرعية وغياب احتكار الدولة لاستخدام القوة»، ما يهدد بتحول السلاح إلى الوسيلة الوحيدة للنفوذ والحماية.

أما الخبير صلاح الأمين فيحذر من سيناريوهات «كلها مُرّة»، تشمل احتمال انقسام السودان إلى سلطتين أو أقاليم شبه مستقلة، بينما يرى الباحث عصام عباس أن استمرار التوسع في التسلح دون مشروع وطني يعمّق الانهيار الأمني والسياسي.

بين «النار والشرار»

السودان اليوم يقف على فوهة بركان من السلاح، حيث تتناسل التشكيلات المسلحة من رحم الفوضى، وتتنازع القبائل والأيديولوجيات على النفوذ. ويبقى السؤال الكبير:

هل يتمكن السودانيون من إعادة بناء مؤسسات الدولة وتوحيد السلاح تحت سلطة واحدة؟

أم تستمر البلاد في دوامة «النار والشرار» التي لا تبقي ولا تذر؟

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى